بصفتي طبيبة أمراض جلدية مصرية، درست وعملت في جامعة عين شمس – إحدى أهم المراكز الطبية في البلاد – فقد شاهدت بوضوح الزيادة الملحوظة في مشاكل البشرة الناتجة عن التأثيرات السلبية للتلوث البيئي. تواجه مدينة القاهرة وغيرها من المدن الكبرى في مصر مشكلة تلوث هواء حادة، مما يشكل عبئاً كبيراً على الصحة العامة، خاصةً صحة البشرة – خط الدفاع الأول للجسم.
وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية (WHO) لعام 2022، تأتي مصر ضمن الدول التي تتجاوز مستويات تلوث الهواء فيها الحد المسموح به مرات عديدة، حيث تسجّل مستويات الجسيمات الدقيقة PM2.5 و PM10 ارتفاعاً يتراوح بين 5 إلى 7 أضعاف الحد الآمن الذي تحدده المنظمة. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب: الازدحام الشديد للسيارات، وقدم المركبات التي لا تلتزم بمعايير الانبعاثات، وحرق الوقود الأحفوري، إلى جانب المناخ الحار والجاف الذي يساعد على انتشار الغبار في الهواء. يحمل الهواء الملوث جزيئات دقيقة جداً تحتوي على معادن ثقيلة مثل الرصاص والكادميوم، ومركبات عضوية متطايرة (VOCs)، ومواد كيميائية مهيجة أخرى – جميعها يمكن أن تتسلل عبر الجلد وتضر بحاجزه الطبيعي. وبالمقارنة مع مناطق أخرى في العالم، فإن المناخ الحار والجاف في مصر يجعل البشرة أكثر عرضة لفقدان الرطوبة، وبالتالي تصبح أكثر حساسية وتعرضاً للتلف عند ملامسة الملوثات.
يسبب تلوث الهواء أضراراً للبشرة عبر عدة آليات، منها: زيادة الإجهاد التأكسدي: الجزيئات الملوثة تحفز إنتاج الجذور الحرة التي تهاجم خلايا الجلد وتدمر الكولاجين والإيلاستين، مما يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة وفقدان المرونة.الالتهابات المزمنة: التلوث يحفز استجابة التهابية موضعية تزيد من إفراز السيتوكينات الالتهابية، وهو ما يظهر على شكل احمرار، تورم، حكة، وتفاقم الأمراض الجلدية المزمنة مثل الأكزيما والصدفية.ضعف الحاجز الجلدي: الغشاء الدهني الواقي للبشرة يتعرض للتلف، مما يقلل من قدرته على الاحتفاظ بالرطوبة، فيؤدي إلى الجفاف والتشقق، ويسمح بدخول البكتيريا والعوامل الممرضة.زيادة التصبغات الجلدية: الملوثات تحفز نشاط الخلايا الصبغية (الميلانوسيت)، مما يسبب بقعاً داكنة ونمشاً وكلفاً – وهي مشكلات جمالية شائعة بين المرضى.
من خلال الملاحظات السريرية في العيادة، وجدت أن حوالي 60% من المرضى الذين يزورون عيادات الجلدية في القاهرة يعانون من مشكلات مرتبطة بالتلوث، مثل التهاب الجلد التماسي، حب الشباب الشديد، أو الشيخوخة المبكرة. ومن الأمثلة حالة السيدة "أ"، 34 عاماً، تعمل في مكتب وسط المدينة، عانت من حب الشباب المزمن، وخشونة البشرة، والبقع الداكنة، مما أثر سلباً على نفسيتها وجودة حياتها. بعد اتباع خطة علاجية متكاملة تشمل العناية الطبية وتعديل عادات حماية البشرة، تحسنت حالتها بشكل ملحوظ.
أضرار البشرة الناتجة عن التلوث ليست دائماً واضحة أو قابلة للعلاج بطرق بسيطة. لذا فإن الفحص المتخصص في مراكز الجلدية الموثوقة يوفّر: تشخيصاً دقيقاً: باستخدام أجهزة متطورة مثل الميكروسكوب الرقمي وتحليل الطيف الضوئي للبشرة لتحديد مدى التلف واستبعاد الأسباب الأخرى.خطة علاج شخصية: بناءً على نتائج التشخيص، يتم وضع برنامج علاجي يتضمن الأدوية، ومنتجات العناية، والعلاج بالليزر، إلى جانب الاستشارات الوقائية.متابعة وتعديل الخطة: لضمان فعالية العلاج وتقليل الآثار الجانبية.
تشير أبحاث طبية حديثة إلى أن تلوث الهواء لا يضر بالبشرة فقط، بل يزيد أيضاً من خطر الإصابة بأمراض القلب. إذ تحفز الملوثات التهابات جهازية وتضر بالأوعية الدموية، مسببة تصلب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة احتمالية السكتة الدماغية. وبالتالي، فإن العناية المبكرة بالبشرة تساهم أيضاً في الوقاية من أمراض قلبية خطيرة.
يساعد التشخيص والعلاج المبكران على حماية الحاجز الجلدي، وتقليل الالتهابات، ومنع التلف العميق، وتحسين جودة الحياة للمريض. كما أن الاستشارات المتعلقة بالتغذية، ونمط الحياة، وتحسين البيئة المحيطة، تعزز نتائج العلاج. الخلاصة يمثل التلوث البيئي في مصر تحدياً كبيراً لصحة البشرة. ومن موقعي كطبيبة أمراض جلدية، أدعو الجميع إلى رفع الوعي بمخاطر التلوث، والحرص على حماية بشرتهم عبر الفحص والعلاج لدى المراكز الطبية المتخصصة. كما أن التعاون بين المجتمع والحكومة والخبراء الطبيين لتحسين البيئة يعد خطوة أساسية نحو حماية الصحة العامة للأجيال القادمة.