أنا الدكتور يوسف المنصوري، طبيب اختصاصي في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، متخرج من كلية الطب والصيدلة بجامعة محمد الخامس بالرباط، وعملت لسنوات في المستشفى الجامعي ابن سينا وفي المجتمع المحلي بالرباط. من خلال خبرتي السريرية الطويلة، أشعر بقلق خاص إزاء مشكلتين شائعتين: الاستعمال المطوَّل لبخاخات الأنف المزيلة للاحتقان، والاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية بدون وصفة طبية. هذه ليست مجرد سلوكيات استهلاكية غير واعية، بل أصبحت تحدياً كبيراً أمام الرعاية الصحية العمومية في المغرب.
بعض الأرقام اللافتة في المغرب
وفق دراسة أُجريت بمدينة وجدة (شتنبر–أكتوبر 2023) على 460 ولي أمر أطفال في مستشفى محمد السادس، تبيّن أن 68% من الأسر تستعمل المضادات الحيوية للأطفال دون وصفة طبية، منها 43% لعلاج السعال و24% لعلاج الحمى.
تحليل ميتا لبيانات وصف المضادات الحيوية في المغرب أظهر أن حوالي 15.4% من الوصفات غير ضرورية، مع النسبة الأعلى لدى الأطفال ما بين سنتين و18 سنة (18.6%)، خاصة في حالات التهاب الجيوب الأنفية الحاد (48.4%) أو التهاب الأذن الوسطى الحاد (39.3%).
ووفق تقرير منظمة الصحة العالمية، إذا لم يتم التحكم في الإفراط في استخدام المضادات الحيوية عالمياً، فقد يؤدي ذلك بحلول عام 2050 إلى وفاة 10 ملايين شخص سنوياً بسبب البكتيريا المقاومة، مع خسائر اقتصادية تقدر بتريليونات الدولارات.
الأضرار الواقعية لهذه الممارسات
[li indent=0 align=left]التهاب الأنف الدوائي – انسداد أنفي معتمد على البخاخ[li indent=0 align=left] بخاخات الأنف المحتوية على مواد قابضة للأوعية مثل الأوكسي ميتازولين أو الزيلوميتازولين، إذا استُعملت أكثر من 3–5 أيام متواصلة، قد تسبب "احتقان مرتد" حيث تلتهب بطانة الأنف وتنتفخ، ما يزيد الانسداد سوءاً، وقد يصبح مزمناً. كثير من المرضى يأتون إلي بعد سنة أو سنتين من الاعتماد على البخاخ، مع تدهور الأعراض.[li indent=0 align=left]المضادات الحيوية غير الضرورية والمقاومة البكتيرية[li indent=0 align=left] كثيرون يتناولون المضادات الحيوية لحالات فيروسية مثل الزكام أو التهاب الحلق الخفيف أو بعض التهابات الأذن غير البكتيرية. هذا لا يسبب فقط آثاراً جانبية، بل يعزز أيضاً ظهور بكتيريا مقاومة مثل المكورات الرئوية و الإشريكية القولونية والمكورات العنقودية الذهبية. في المغرب، ارتفعت مقاومة المكورات الرئوية للبنسلين G إلى 100% سنة 2020 مقارنةً مع شبه انعدامها سنة 2011، مع ارتفاع المقاومة لأنواع أخرى بسرعة.[li indent=0 align=left]التأثيرات على القلب والأوعية الدموية[li indent=0 align=left] بعض المضادات الحيوية من فئة الفلوروكينولونات أو الماكروليدات، وكذلك بخاخات الأنف المزيلة للاحتقان، قد تؤثر على ضغط الدم ونبض القلب، خاصة لدى المسنين أو مرضى القلب.لماذا تحتاج إلى فحص وتشخيص مهني؟
التشخيص الدقيق منذ البداية ضروري، باستخدام أدوات مثل المنظار الأنفي والحنجري، التصوير المقطعي للجيوب، وفحوص الحساسية. هذا يساعد على تحديد السبب الحقيقي للاحتقان، مثل الزوائد الأنفية أو انحراف الحاجز أو الأورام الحميدة أو التهاب الجيوب المزمن. بعد التشخيص، يمكن وضع خطة علاجية مناسبة، ما يقلل من خطر الاعتماد على الأدوية أو تطوير مقاومة للبكتيريا.
الربط بين صحة الأنف والأذن والحنجرة وصحة القلب
بعض أمراض الأنف المزمنة قد تؤدي إلى استخدام طويل لبخاخات الأنف، مما يؤثر على الجهاز العصبي الودي وضغط الدم. التشخيص المبكر وإزالة المسببات مثل الزوائد الأنفية أو تصحيح انحراف الحاجز يحسن التنفس ويقلل نقص الأكسجين الليلي، مما يفيد صحة القلب.
مثال واقعي
مريضة تبلغ 35 سنة من ضواحي الرباط استخدمت المضادات الحيوية وبخاخ الأنف ذاتياً لمدة شهرين تقريباً لعلاج احتقان أنفي ناتج عن الحساسية. النتيجة كانت انتفاخ الغشاء المخاطي واعتماد على البخاخ، مع اضطراب طفيف في نظم القلب بسبب التداخل الدوائي. بعد الفحص بالمنظار والتصوير المقطعي، تم اكتشاف زوائد أنفية كبيرة والتهاب جيوب مزمن. بعد علاج بالستيرويدات الموصوفة وإيقاف البخاخ، تحسنت الأعراض وعاد ضغط الدم إلى وضعه الطبيعي.
الخلاصة
الاستخدام الذاتي لبخاخ الأنف والمضادات الحيوية في المغرب مشكلة خطيرة ذات انتشار واسع وعواقب طويلة الأمد. التشخيص المتخصص والعلاج الموجه يقللان من المخاطر ويحسنّان الصحة العامة، خصوصاً لدى المرضى المعرضين لمضاعفات قلبية.