بصفتي طبيب أمراض جلدية مصري، تلقيت تدريبي الأكاديمي في جامعة عين شمس – إحدى المراكز الطبية المرموقة في البلاد – ولدي سنوات من الخبرة في فحص وعلاج آلاف المرضى الذين يعانون من مشكلات جلدية متنوعة. من خلال عملي، لا يسعني إلا أن أشعر بالقلق تجاه الوضع الراهن من نقص الوعي والوصمة الاجتماعية التي تحيط بالأمراض الجلدية الشائعة في مصر. فهذه ليست مجرد مشكلة تؤثر على فعالية العلاج، بل تؤدي أيضًا إلى تدهور جودة الحياة وتترك آثارًا نفسية واجتماعية خطيرة على المرضى.
وفقًا لمسح أجرته وزارة الصحة المصرية عام 2021، تبين أن حوالي 45٪ من السكان يفتقرون إلى المعرفة الأساسية حول الأمراض الجلدية الشائعة مثل التهاب الجلد الدهني، الفطريات الجلدية، حب الشباب، أو الصدفية. بل إن الكثيرين يخلطون بين هذه الأمراض الجلدية وأمراض معدية خطيرة أو أمراض منقولة جنسيًا، مما يؤدي إلى الوصمة الاجتماعية وتجنب المرضى في المجتمع. كما أن حوالي 60٪ من المرضى الذين يزورون عيادات الأمراض الجلدية في المستشفيات العامة أفادوا بأنهم قد أخروا تلقي العلاج بسبب الخجل أو الخوف من الحكم عليهم من قبل الأقارب أو الزملاء أو حتى أفراد الأسرة. هذه الظاهرة تدفع العديد من المرضى إلى العلاج الذاتي في المنزل باستخدام طرق غير علمية أو الامتناع عن استخدام الأدوية الموصوفة، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهم وصعوبة علاجها.
إن نقص الوعي والوصمة لا يسببان أذى جسديًا فحسب، بل يتركان أثرًا عميقًا على الصحة النفسية والاجتماعية: العبء النفسي: يشعر المرضى بالحرج وفقدان الثقة بالنفس والتوتر، مما قد يؤدي إلى الاكتئاب أو القلق الاجتماعي، خاصة في حالات الأمراض الجلدية المزمنة مثل الصدفية أو البهاق.العزلة الاجتماعية: تدفع الوصمة المرضى إلى الانسحاب من المجتمع والعمل، مما يخفض جودة حياتهم وإنتاجيتهم.فقدان فرص العلاج المبكر: يؤدي التردد في زيارة المراكز الطبية المتخصصة إلى تأخير التشخيص، مما يسمح للمرض بالتطور ويسبب مضاعفات وتكاليف علاج أعلى.خطر المضاعفات الصحية: بعض الأمراض الجلدية إذا لم تُعالج بشكل صحيح قد تؤدي إلى التهابات أو انتشار واسع يهدد الصحة أو حتى الحياة.
أتذكر حالة السيدة "ن"، البالغة من العمر 28 عامًا، والتي كانت تعاني من الصدفية لسنوات، لكنها امتنعت عن زيارة الطبيب بسبب الخوف من الوصمة، واكتفت باستخدام أدوية دون وصفة طبية. ونتيجة لذلك، انتشر المرض على مساحات واسعة من جلدها، مما أفقدها ثقتها بنفسها واضطرت لترك عملها. بعد حصولها على استشارة وعلاج متخصص، تحسنت حالتها بشكل ملحوظ وتمكنت من العودة إلى حياتها الطبيعية. هذه ليست حالة استثنائية، بل تعكس بوضوح الأثر السلبي لنقص الوعي والوصمة الاجتماعية.
زيارة المراكز الموثوقة للأمراض الجلدية توفر فوائد عديدة: تشخيص دقيق: باستخدام أجهزة حديثة مثل جهاز الفحص الرقمي للبشرة، الفحوص الميكروبيولوجية، وخزعات الجلد لتحديد نوع المرض ودرجته بدقة.خطة علاج مخصصة: وضع خطة علاج شخصية تشمل الأدوية الموضعية والفموية، العلاج الضوئي، أو تقنيات داعمة أخرى.التثقيف والإرشاد: تزويد المريض بالمعلومات الكافية حول المرض، العناية بالبشرة، والوقاية من الانتكاسات.الدعم النفسي: تقديم استشارات نفسية لمساعدة المريض على تجاوز مشاعر الخجل وفقدان الثقة.
هناك جانب مهم غالبًا ما يُغفل، وهو ارتباط بعض الأمراض الجلدية المزمنة مثل الصدفية أو التهاب الجلد التأتبي بأمراض القلب. فالالتهاب المزمن الناتج عن هذه الأمراض قد يزيد خطر تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم ومضاعفات قلبية أخرى. لذا فإن التشخيص والعلاج المبكر لا يحسّن البشرة فقط، بل يقلل أيضًا من خطر الأمراض الجسدية الخطيرة.
بصفتي طبيبًا مختصًا، ألتزم بـ: تقديم رعاية طبية عالية الجودة قائمة على المؤهلات والخبرة والتحديث المستمر للمعلومات العلمية.احترام خصوصية المريض والحفاظ على سرية بياناته.توفير بيئة علاجية ودية وخالية من الوصمة، يشعر فيها المريض بالراحة والاحترام.الدعم المستمر للمريض طوال فترة العلاج لضمان أفضل النتائج.
للحد من مشكلة نقص المعرفة والوصمة حول الأمراض الجلدية، أدعو إلى: رفع وعي المجتمع: عبر حملات إعلامية وبرامج تثقيفية لشرح الأمراض الجلدية الشائعة وطرق الوقاية منها.تعزيز تدريب الكوادر الطبية: لتأهيل أطباء الأمراض الجلدية والعاملين الصحيين لتقديم خدمة مهنية وفعّالة.إنشاء أنظمة دعم نفسي: لمساعدة المرضى على التغلب على مشاعر الخجل وإعادة الاندماج في المجتمع.تشجيع الناس على الفحص والعلاج: وعدم التردد في مراجعة المراكز المتخصصة عند ظهور أي أعراض جلدية.